السر وراء رقصة النحل

سيتعجّب الكثيرين عند رؤية النحل يرقص في الأفلام والبرامج الوثائقية، ودعني أخبرك أن رقص نحل العسل هو أمر حقيقي حيث يقوم النحل بإستخدام الرقص كلغة خاصة للتواصل داخل مجتمع الخلية، حيث تُخبر عاملات النحل بعضهن عن مصادر الغذاء وترشدهم بهذه الطريقة العجيبة عن المكان بدقة.

النحلة العاملة أو الشغّالة هي جزء من مجتمع خلية النحل وهي أنثى تقوم بمهمات عديدة حسب عمرها، و العاملة المستكشفة يبلغ عمرها 22 يومًا إلى 42 يومًا، وتقوم بالطيران مسافات واسعة بحثنًا عن مصدر للغداء وعند وصولها إلى الخلية تقوم بتسليم الحمولة للشغالات الأصغر منها سناً وبعدها تؤدي رقصتها داخل الخلية لتدلهم على مكان الغداء. 

تشير رقصات العاملات إلى المسافة والإتجاه اللذان يشيران إلى الموقع الدقيق للغذاء، من خلال حركات معينة وبهذه الطريقة تتوجه العاملات إلى المكان المُشار إليه لتجمع الغذاء من الرحيق وحبوب اللقاح، ومن الجدير بالذكر أن كارل فون فريش، بروفيسور علم الحيوان بجامعة ميونيخ في ألمانيا هو من فسّر هذا السلوك لأول مرة، حيث أجرى طلابه الكثير من الأبحاث عن هذه الحالة، وذلك من خلال وضع مصادر مختلفة للغذاء على مسافات و إتجاهات محددة و مختلفة بعيدًا عن مكان الخلية، و مراقبة حركة الشغالات داخل الخلية، كما قاموا بقياس زوايا الرقصات بدقة شديدة إلى أن استطاعوا تفسيرها.

عندما تعود العاملة بحمولة وفيرة من الرحيق و حبوب اللقاح تقوم برقصة معيّنة لتخبر الأخريات عن المصدر ليذهبن إليه وتتضمن هذه الرقصة تحديد المسافة والإتجاه لهذا المصدر، وتختلف باختلاف المسافة بين الغذاء وخلية النحل، ومن هذه الرقصات مايلي:


الرقصة الدائرية  

عندما تكون المسافة قريبة جدًا من الخلية، أي أقل من 50 متر تقوم النحلة برقصة دائرية ( الشكل 1)، من خلال الجري في دوائر ضيقة ثم تقوم بعكس مسارها الأصلي فجأة، يمكنها تكرار الرقص عدة مرات في نفس المكان في الخلية أو الانتقال إلى مكان آخر، وغالبًا بعد إنتهاء الرقصة الدائرية تقوم بتوزيع الغذاء على النحل الذي يتبعها، بذلك فإن الرقصة الدائرية متعلقة بالمسافة ولا تحدد الإتجاهات. 


الرقصة الاهتزازية 

تقوم العاملة العائدة إلى الخلية بتنفيد الرقصة الاهتزازية إذا كانت المسافة أكثر من 150 مترًا، حيث تسير النحلة التي تؤدي الرقصة إلى الأمام مباشرة لمسافة قصيرة، وتعود بعدها مشكّلة نصف دائرة إلى نقطة البداية، ثم تمر مرة  أخرى من خلال المسار المستقيم، وبعد ذلك تسير بشكل نصف دائرة في الإتجاه المعاكس لإكمال رسم رقم ثمانية في اللغة الإنجليزية. وأثناء المرور بمسار الخط المستقيم من الرقصة، يهتز جسد النحل وخاصة البطن بقوة من جانب إلى آخر، وينتهج عن هذا حركة تهز الذيل، وفي نفس الوقت تصدر النحلة صوت طنين ناتج عن ضربات الجناح بتردد صوتي منخفض من 250 إلى 300 هرتز أو دورة في الثانية، وكلما بعدت مسافة مصدر الغذاء كل ما ازدات عدد الاهتزازات. 


الرقصة المنجلية 

أما عن المسافات التي تقع بين 50 متر و 150 مترًا تقوم العاملة بالتعبير عنها برقصة المنجل وهي رقصة  تشبه كل من الرقصة المستديرة والاهتزازية.


ولكن كيف يتم تحديد الإتجاه؟

يتمثل إتجاه موقع المصدر بالخط المستقيم الذي تسير فيه النحلة العاملة خلال الرقصة الإهتزازية، بحيث أن الزاوية التي تتبناها النحلة تمثل زاوية مصدر الغذاء بالنسبة لإتجاه الشمس خارج الخلية. بمعنى آخر، أن النحلة تقوم بتحديد المكان حسب موقع الخلية ومصدر الغذاء بالنسبة إلى موقع الشمس وللنحل ثلاث رقصات مختلفة حسب موقع الغذاء بالنسبة لأشعة الشمس. ولأن المعلومات المعطاه بالنسبة لإتجاه الشمس فيتغير الرقص خلال النهار لمصدر الغذاء الواحد خلال اليوم، وذلك بسبب تغير موضع الشمس أثناء النهار.

ونتيجة لذلك تعد رقصة النحل واحدة من أكثر السلوكيات إثارة للاهتمام في المملكة الحيوانية وتم ترسيخ نحل العسل كأحد أكثر الأنظمة إثارة للاهتمام في علم الأحياء.